اولا احب ان اقدم اعتذارى لزوارهذا المنتدى على الغياب الطويل ولكن هذا الغياب كان خارج عن ارادتى لسفرى الى خارج البلاد
كما اقدم لكم سلسله من ملفات المخابرات العربيه التى تحكى ببساطه جزء يسير من تاريخها الطويل فى حمايه الاوطان والذود عنها ضد كل خطر واى خطر يهدد الامن والاستقرار
وهذا هو الجزء الاول مع وعد بانزال الاجزاء التاليه فى اقرب فرصه
. من ملفات المخابرات العربيه
. المخابرات العراقيه والموساد
في يناير ،1966 وداخل إحدى نقاط العبور على الحدود العراقية الإيرانية، لاحظ ضابط عراقي بعيني خبير مدقق، أن حالة من الارتباك تعتري أحد العابرين، فتقدم منه وسأله عن وثيقة سفره، فازداد ارتباكه، ما شجع الضابط على تفتيشه مرة ثانية بدقة. وكانت المفاجأة التي لم تخطر بباله أبدا، إذ اكتشف جيوبا سحرية في قاع حقيبته، مملوءة بخرائط لمواقع عسكرية عراقية، وتقارير سرية مهمة تمس الجيش والاقتصاد. انهار الجاسوس في الحال، وأخذ يصيح بالفارسية بما معناه أنه مجرد (ناقل) للحقيبة ولا يدري بما بها.
وفي مكتب المخابرات العراقية في بغداد، أنكر معرفته بالشخص العراقي الذي سلمه الحقيبة، وقال إنه اعتاد مقابلته بشارع الرشيد في مواعيد غير معلومة له، فيتسلم الحقيبة منه وينصرف كل إلى حاله، دون أن يعرف من هو، أو ماذا في الحقيبة من أوراق ينقلها إلى طهران.
في بادئ الأمر لم يصدقه ضابط المخابرات العراقي بالطبع، وأمام إصراره وتأكيده على أقواله، أدخلوه غرفة خاصة في بدروم المبنى، حيث جرى تعذيبه ليعترف، ومع اشتداد وطأة التعذيب، أقر بأنه يعمل لمصلحة الاستخبارات “الإسرائيلية”، وتنحصر وظيفته في الذهاب لمقابلة جواسيسها في العراق لتسلم الوثائق والعبور بها إلى إيران. وتكرر هذا الأمر في بغداد تسع مرات من قبل إلى أن قبض عليه.
وفي محاولة أخرى لانتزاع أية معلومات من (فجر عبدالله) حبس في زنزانة انفرادية لعدة أيام بلا طعام أو شراب، وأوهموه بأن حكما قضائيا سيصدر ضده خلال أيام، وسوف يتم إعدامه لا محالة عملا بقانون العقوبات العراقي، الذي يعامله معاملة الجاسوس.
عند ذلك أقر فجر بأنه لا يعرف سوى الاسم الأول فقط للعميل الذي سلمه الحقيبة وهو يعقوب، وأنه تذكر اسمه الآن فقط، قائلا إنه بينما كانا معا ذات مرة في مقهى بشارع الرشيد، أقبل أحد الأشخاص وصافحه مناديا عليه باسمه يعقوب.
ومنذ أن أدلى باسم يعقوب، كان هناك سباق محموم، يجري في سرية تامة، للتوصل إلى جاسوس “إسرائيلي” عن طريق السجلات المدنية، حيث تم مسحها بالكامل في كل العراق لحصر الاسم، والحصول على صور لكل يعقوب عراقي في حدود الثلاثين من عمره، لعرضها على العميل “الإسرائيلي”.
آلاف الصور عرضت عليه، على مدار عدة أيام، عومل خلالها معاملة حسنة، وفي اليوم السابع للبحث والتدقيق في الصور، تعرف فجر عبدالله إلى صورة يعقوب يوسف جاسم 34 عاما الموظف المدني بإحدى محطات الكهرباء ببغداد، فعرضوا عليه الصورة مرة أخرى بعد خلطها بصور قريبة الشبه، لكنه تعرف إلى الصورة نفسها.
وفي الحال قامت قوة من رجال جهاز المخابرات بمهاجمة منزل يعقوب يوسف جاسم وتفتيشه، وهناك عثروا على وثيقة سفره التي تبين منها أنه سافر إلى إيران عشرات المرات.
وعندما أخبرهم بأنه متزوج من إيرانية، لذلك كان سفره المتعدد إلى إيران أمرا طبيعيا، لم يلتفتوا إلى ما يقول، بل استمروا في التفتيش إلى أن ضبطوا عدة وثائق عسكرية سرية محشورة في (رجل) السرير النحاسي، وكانت مربوطة بخيط رفيع يتدلى من أعلى (الرجل) الأسطوانية، التي نسي أن يضع عليها غطاءها كالأرجل الثلاثة الأخرى.
وأمام هذه الأدلة الدامغة، ألقوا القبض عليه وعلى زوجته الإيرانية (فروزندة وثوقي).
استمرت عملية التفتيش بدقة متناهية، بمعرفة من خبراء المخابرات الفنيين، الذين اكتشفوا مخبأ سريا في غلاف مجلد كبير للشاعر (معروف الرصافي) يحوي رسائل باللغة الفارسية، عبارة عن أوامر من ضابط الارتباط “الإسرائيلي” في ميناء عبادان الإيراني، تطلب منه موافاته بتقارير وأخبار عن الأسلحة السوفييتية الجديدة التي تصل إلى العراق، وكذلك عن الغواصات السوفييتية الكامنة في قاع منطقة أم قصر، المتاخمة لحدود الكويت، والخبراء السوفييت في العراق وحظائر طائرات توبولوف 22 الحربية المهاجمة، وعددها، والمطارات الحربية الموجودة فيها، ومعلومات تفصيلية عن الطائرة ميج 21 ومطاراتها وعدد طياريها.
لكن.. لماذا الطائرة ميج 21 بالذات؟
إن لذلك قصة لابد من إيجازها لنعرف أسباب التجسس الأمريكي “الإسرائيلي” على العرب، وبخاصة العراق، للحصول على هذه الطائرة مهما كانت التكلفة والخسائر. أزمة ال “يو 2” منذ أن ضربت الولايات المتحدة اليابان بالقنبلة الذرية سنة ،1945 والسوفييت لا ينامون أو يستقر لهم بال، وسعوا بشتى السبل للحصول على أسرار تلك القنبلة، وتصنيعها، إلى أن تمكن روزنبرج، وبمعاونة زوجته إيثيل، من تهريب ملف كامل عن المعادلات الكيميائية المعقدة، متضمنا أيضا تصاميم القنبلة، وسلمه للروس إبان حكم ستالين، ووفر عليهم بذلك سنوات طويلة شاقة من العمل والبحث والتجريب، لكن في أول مايو/ أيار 1960 أسقط السوفييت طائرة تجسس أمريكية طراز “يو 2” التي تضم أحدث ما وصل إليه العلم من ابتكارات أهمها كاميرات غاية في التعقيد، تلتقط الصور على ارتفاع آلاف الأميال بدقة متناهية وبوضوح مذهل، بينما تطير بسرعة ألف كيلومتر في الساعة.
وكان السؤال:
لماذا الطائرات ميج 21؟
وفي الولايات المتحدة كان حادث إسقاط الطائرة يو 2 محيرا، فالطائرة بارتفاعها الشاهق كانت بعيدة عن صواريخ السوفييت الأرضية وعن مجال صواريخ طائراتهم الاعتراضية أو القاذفة، لذلك تشككوا في قدرة السوفييت العسكرية، وأيقنوا بأن الطائرة ميج 21 المجهولة قوة ومهارة وتسليحا بالنسبة لهم، أدخل عليها السوفييت تقنيات جديدة معقدة، فتفوقت بذلك على طائراتهم. الطائرة الخرافة بينما تمد أمريكا “إسرائيل” بمبتكراتها التسليحية، لتكون لها اليد الطولى في الشرق الأوسط، زود السوفييت مصر وسوريا والعراق بالطائرة الأسطورة ميج 21 وكانت هناك رغبة ملحة للحصول على إحدى طائرات ميج 21 تهديها “إسرائيل” لأمريكا لتكشف خبايا قوتها، من خلال تجنيد طيار عربي مغامر، يقبل الهرب بطائرته إلى “إسرائيل” مقابل مليون دولار أو ضعف هذا المبلغ عدة مرات.
لذلك كان هناك تنسيق مستمر بين ال (سي. آي. إيه) والمخابرات “الإسرائيلية”، لاختطاف إحدى طائرات الميج 21 العربية، للوقوف على خفايا قوتها، ونقاط الضعف فيها، بما يضمن تلافي خطرها، والعمل على تحديث تكنولوجيا الطيران لزيادة الكفاءة، والارتفاع بمستوى الفعالية القتالية إلى مراحل متقدمة، تفوق النجاح السوفييتي وأدمغة خبرائه.
وظل هذا الحلم الكبير، باختطاف طائرة ميج 21 عربية، يراود حكام “إسرائيل” لسنوات طويلة، ومع مرور الوقت كان الحلم يكبر، ويرصدون لتحقيقه أي مقابل، وبعد ثلاث محاولات فاشلة لتجنيد ثلاثة طيارين عراقيين، انتهت بقتلهم جميعا على التوالي في أمريكا، وبغداد، وألمانيا الغربية، نجحت المحاولة الرابعة عام 1966 مع الطيار العراقي الخائن النقيب منير روفا، وأطلق على العملية الاسم الكودي (007).