· أولاً، أن الولايات المتحدة- تحت إدارة جمهورية أو ديموقراطية- سوف تعطي "إسرائيل" الضوء الأخضر للقيام بأي شيء يحلو لها فيما يتعلق بتجويع أو قصف الفلسطينيين. وهو الأمر الذي بات جليًا أمام المسلمين عن طريق تصريحات الرئيس "جورج دبليو بوش"، وصمت الرئيس المنتخب أوباما، وعن طريق أيضًا- وفقًا لصحيفة "جيروزاليم بوست"- إلقاء جميع اللوم على الزيارات الفلسطينية لرئيس بلدية نيويورك "مايكل بلومبرج"، وعضو الكونجرس في نيويورك "جاري أكرمان"، وزعماء أكبر المنظمات الأمريكية اليهودية.
· ثانيًا، أن الأنظمة الحاكمة المسلمة في السعودية، ومصر، والأردن، وغيرها مجرد "عملاء" عاجزين للصهاينة والصليبيين ولن يفعلوا شيئًا لحماية المسلمين إذا ما تعرضوا لهجوم من قبل الغرب الذي تتزعمه الولايات المتحدة، سواءً كانت تلك الهجمات في فلسطين، أو باكستان، أو العراق، أو أفغانستان. وأوضحت صحيفة "القدس العربي" المستقلة ذات التأثير والتي تصدر باللغة العربية وتتخذ من بريطانيا مقرًا لها أن: "إخفاق وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم بالقاهرة في اتخاذ أي موقف لمواجهة العدوان "الإسرائيلي" المستمر على قطاع غزة... يؤكد النظرية التي تقول إن العدوان "الإسرائيلي" جاء نتيجة لتنسيق ومباركة من جانب دول عربية فعالة، وخاصة مصر والسعودية".
· ثالثًا، أن الغرب ينظر إلى المسلمين كبشر من الدرجة الثانية، ودمائهم، وحياتهم، وأطفالهم- بالنسبة لأمريكا، و"إسرائيل"، وأوروبا- تافهة ولا قيمة لها. وحصاد غزة حتى الآن سوف يؤكد هذه النقطة في العالم الإسلامي على نحو لا يمحى: فحتى الآن هناك 500 قتيل و2300 مصاب فلسطيني وأقل من 10 قتلى "إسرائيليين". كما قالت صحيفة "فرونتير بوست" الصادرة في باكستان إن الغرب يشاهد في صمت بينما "تعمل "إسرائيل" على تجويع الفلسطينيين المسلمين حتى الموت. ... بلا اكتراث لحياتهم! فدم المسلم عندهم أرخص من المياه!"
إن بعد اجتياح غزة، ستجني "إسرائيل"هدفين هامين. ستكون قد عززت من شوكة حماس، التي في المقابل ستجدد من عملياتها الفدائية داخل "إسرائيل" ما سيخول لنادي محبي"إسرائيل" في أمريكا- بما فيهم المحارب السابق في جيش الدفاع "الإسرائيلي"، والذي عينه أوباما ككبير لموظفي البيت الأبيض- أن يصوروا البلد التي يكنوا لها ولاءهم الأول بأنها الأضعف مستغلين سقوط الضحايا الأبرياء. كما أنها ستضع النهاية لأي أمل ضعيف كان هناك في تسوية سلام عربية- "إسرائيلية" خلال فترة ولاية أوباما. إن ما صار يُعرف عبر العالم الإسلامي بأنه "مذبحة غزة" سيضمن استمرار نمو "التمرد" السني الذي يتزعمه ويستنفره تنظيم القاعدة. وبوجه عام، فإن الزعماء "الإسرائيليين" في نهاية هجوم غزة سيكونون قادرين بمصداقية أكبر على اقتباس مقولة الرئيس بوش بأن "المهمة" قد تم إنجازها.
أما في الوقت الحاضر، فإنه ليس هناك ما يدعو الأمريكيين للغضب من "إسرائيل". فحماس تمثل تهديدًا عسكريًا مزعجًا لـ "إسرائيل"، كما أن الزعماء "الإسرائيليين" يمكنهم الدفاع عن مواطنيهم بالطريقة التي يرونها مناسبة. وفي الواقع، لو أن الحكومات الأمريكية المختلفة قد نأت بنفسها عن التدخل المستمر في الصراع العربي "الإسرائيلي" على مدار 30 عامًا، ربما كان قد تم تسويته وانتهى بطريقة أو بأخرى.
وحري بالشعب الأمريكي أن يكون غاضبًا؛ فنخبته السياسية من الحزبين، ونادي محبي "إسرائيل" في كلٍ من مجلة "كومنتري"، وصحيفة "نيويورك تايمز"، و"ناشونال ريفيو"، و"ويكلي ستاندرد"، و"واشنطن بوست"، بالإضافة إلى خلية النحل من المواطنين الأمريكيين المعاديين لأمريكا الذين يمولون ويتزعمون منظمة (إيباك)، قد زجوا به في خضم فوضى همجية.
وفي مرحلة ما على الطريق، فإن كل دافع ضرائب أمريكي موّل قنبلة، وقذيفة مدفعية، ورصاصة استهدفت الفلسطينيين سيسهم في مقتل مواطنين أمريكيين على أيدي القاعدة، أو حلفائها، أو من تستنفرهم وذلك في هجمات ردًا على الدعم الأمريكي لـ "إسرائيل". هؤلاء الأمريكيون سوف تُزهق أرواحهم لأن قياداتهم السياسية والإعلامية- التي أفسدتها (إيباك) حتى النخاع- قد ورطتهم في حرب دينية لم تكن تمثل تهديدًا لأي شيء حيوي لمبادئ بلادهم أو أمنها القومي، أو رفاهيتهم الاقتصادية الشخصية أو حياة أطفالهم.
إن الأسوأ لم يأت بعد. فاجتياح "إسرائيل" لقطاع غزة قد صنع عددًا غير عادي من التظاهرات العامة المناهضة لـ "إسرائيل" بين الأمريكيين المسلمين وذلك في أنحاء متفرقة من الولايات المتحدة. وكانت الحرب بين "إسرائيل" و"حزب الله" عام 2006 قد أفرزت أحداثًا مشابهة، إلا أن الأحداث الحالية، التظاهرات الخاصة بغزة هي أشد غضبًا وأكبر عددًا. إن المرء ليتساءل، كم يبقى من الوقت قبل أن تؤدي العمليات العسكرية "الإسرائيلية" إلى مواجهات عنيفة داخل أمريكا؟
إذا حدث هذا، فإن "إسرائيل" ومؤيديها من الأمريكيين سيحصلون على بوليصة التأمين التي طالما أملوا فيها أكثر من أي شيء آخر، بوليصة كانوا قد يأسوا من الحصول عليها قبل أن تتخذ "إسرائيل" تحركات شرسة- بالتهجير القسري أو غيره من الوسائل- ضد الشعب العربي الذي ينمو ويزداد "تشددًا" بسرعة مطردة. إنه بمجرد أن تصل الحرب الدينية إلى الولايات المتحدة وتسيل منها الدماء في شوارع أمريكا، سيذهب نادي محبي "إسرائيل" للقول بأن المجزرة تُثبت أن أمريكا العلمانية و"إسرائيل" الثيوقراطية معًا في قارب واحد ويواجهون نفس الأعداء. بالتعويل على هذه الأكذوبة الملموسة ولكن المعقولة، فإن الزعماء الأمريكيين الواقعين تحت سيطرة (إيباك) سوف يُلقون بهذا البلد إلى حرب لا نهاية لها ضد الإسلام، وهي نفس الكارثة التي هي من نصيب "إسرائيل".
([1]) مايكل شوير: ضابط سابق في المخابرات الأمريكية، عمل في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لمدة 22 عامًا. وكان مسئولاً خلال ست سنوات من عمله بـCIA بالبحث عن زعيم القاعدة "أسامة بن لادن"، ويعد من أشهر كتبه كتاب بعنوان "الفوقية الإمبريالية الأمريكية: لماذا يخسر الغرب الحرب على الإرهاب".